تقرير: معاناة اللاجئين اليمنيين في هولندا بسبب رفض طلبات اللجوء

معاناة متزايدة وقرارات صادمة

في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات، والتي أسفرت عن دمار هائل للبنية التحتية وتشريد ملايين الأشخاص داخليًا وخارجيًا، يجد العديد من اليمنيين أنفسهم في رحلة محفوفة بالمخاطر بحثًا عن الأمان والاستقرار في دول أخرى. الحرب لم تقتصر فقط على الجانب العسكري، بل امتدت لتؤثر على كل مناحي الحياة اليومية، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء وانهيار النظام الصحي بشكل شبه كامل. مما دفعهم إلى البحث عن ملاذ آمن خارج حدود وطنهم. من بين هذه الدول، تأتي هولندا كوجهة يلجأ إليها العديد من اليمنيين بسبب سمعتها كبلد يحترم حقوق الإنسان ويوفر الحماية للاجئين. لكن مع وصولهم إلى هولندا، يُفاجأ العديد من هؤلاء اللاجئين بقرارات صادمة من قبل دائرة الهجرة والتجنيس الهولندية (IND)، التي تعتبر اليمن “بلدًا آمنًا”، مما يؤدي إلى رفض طلبات لجوئهم بشكل متزايد.

أسباب الرفض

تعتمد دائرة الهجرة الهولندية في كثير من الأحيان على تقارير حكومية أو دولية مثل تقارير وزارة الخارجية الهولندية وبعض المنظمات الدولية، التي تصف مناطق معينة في اليمن بأنها “آمنة” نسبيًا. لكن هذه التقارير غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع وتعتمد على معايير غير دقيقة. فالمناطق التي تُعتبر “آمنة” لا تزال تعاني من وجود الميليشيات المسلحة، والقصف المتكرر، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما أن البنية التحتية في معظم هذه المناطق منهارة تمامًا، مما يجعل الحصول على الخدمات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية شبه مستحيل. هذا التقييم المجحف يتجاهل الحقائق على الأرض ويترك العديد من اللاجئين في مواجهة خطر العودة إلى بيئة غير آمنة ومليئة بالمخاطر.

معاناة اللاجئين في مراكز الإيواء

بسبب رفض طلبات اللجوء، يعيش الكثير من اليمنيين في مراكز الإيواء لفترات طويلة تتجاوز الحدود المعقولة. تشير الإحصائيات إلى أن هناك المئات من اليمنيين الذين يعيشون في هذه المراكز في ظروف صعبة للغاية. هذه المراكز، التي كانت مصممة لاستيعاب اللاجئين لفترات مؤقتة، أصبحت بمثابة “سجون نفسية” لهم بسبب الظروف التي يعيشونها. من أبرز المشاكل التي يواجهها اللاجئون في هذه المراكز:

القلق النفسي: يعيش اللاجئون حالة من التوتر الدائم بسبب عدم الاستقرار والخوف المستمر من الترحيل. هذا القلق
يؤثر على صحتهم النفسية والجسدية بشكل كبير.

ظروف معيشية صعبة: تعاني المراكز في كثير من الأحيان من الاكتظاظ ونقص الخصوصية، مما يجعل الحياة اليومية
مرهقة ومحبطة.

الإجراءات البيروقراطية المرهقة: يتم تأخير معالجة طلبات اللجوء لفترات طويلة دون مبررات واضحة، مما يزيد من معاناة اللاجئين ويشعرهم بالإهمال والتجاهل.

التهميش الاجتماعي: يشعر العديد من اللاجئين بالعزلة عن المجتمع الهولندي وعدم القدرة على الاندماج بسبب غياب الاستقرار القانوني والاجتماعي.

صرخة اللاجئين: “اليمن ليس آمنًا”

نظم اللاجئون اليمنيون في هولندا عدة تظاهرات سلمية خلال السنوات الأخيرة للتعبير عن رفضهم لتصنيف اليمن كبلد آمن. كان آخر هذه التظاهرات بتاريخ 25 يناير 2025 في مدينة لاهاي بشارع “Laan van Reagan en Gorbatsjov”. شهدت التظاهرة مشاركة المئات من اليمنيين اللاجئين الذين رفعوا شعارات تؤكد أن الوضع في اليمن لا يزال يشكل خطرًا على حياتهم. المتظاهرون عبروا عن غضبهم وألمهم من السياسات التي تتجاهل معاناتهم وطالبوا بإعادة النظر في قرارات رفض اللجوء. وأشار بعضهم إلى أن التظاهرات السابقة أثرت بشكل محدود، لكنها لم تحقق تغييرًا جذريًا في السياسات.

شهادات حية من اللاجئين

أحمد.ع، شاب يمني يبلغ من العمر 28 عامًا، قال: “هربت من جحيم الحرب في اليمن بعد أن فقدت عائلتي ومنزلي. توقعت أن أجد الأمان في هولندا، لكنني الآن أعيش في قلق دائم بسبب قرار رفض طلبي وإمكانية إعادتي إلى نفس المكان الذي هربت منه.”

فاطمة.م، أم لطفلين، أضافت: “لا أستطيع أن أشرح لأطفالي لماذا لا يمكننا أن نعيش حياة طبيعية مثل بقية الناس. كل يوم في مركز الإيواء هو كابوس لنا جميعًا. نعيش بلا أمل ولا نعرف ماذا يخبئ لنا المستقبل.”

عبدالله.س، شاب آخر عانى من رفض طلب لجوئه، يقول: “كل يوم أتساءل: هل هذا هو المصير الذي ينتظر كل من يهرب من الحرب؟ يتم تصنيفنا وكأننا مجرد أرقام وليس كبشر لديهم مشاعر وأحلام.”

مطالب اللاجئين

يطالب اللاجئون اليمنيون الحكومة الهولندية والاتحاد الأوروبي بالاعتراف بالوضع الإنساني الكارثي في اليمن وتغيير السياسات التي تعيق حصولهم على حق اللجوء. من أبرز المطالب التي رفعها اللاجئون خلال التظاهرة:

إعادة تقييم وضع اليمن: يدعو اللاجئون إلى إجراء تحقيقات مستقلة لتقييم الأوضاع في اليمن بدقة، مع الاستماع إلى شهادات اللاجئين أنفسهم.

تسريع الإجراءات: يطالب اللاجئون بتقليل فترات الانتظار الطويلة للحصول على قرارات بشأن طلبات لجوئهم، والتي غالبًا ما تمتد لأشهر وربما سنوات.

توفير الدعم النفسي والاجتماعي: يرى اللاجئون ضرورة تحسين ظروف المعيشة في مراكز الإيواء وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم خلال فترة الانتظار. كما أكدوا على أهمية وجود فرق متخصصة لمساعدتهم على تجاوز الصدمات التي تعرضوا لها أثناء الحرب وفي رحلة اللجوء.

أهمية التضامن

وجه منظمو التظاهرة دعوة مفتوحة لجميع الهولنديين لدعم قضية اللاجئين اليمنيين والمشاركة في إيصال صوتهم إلى الجهات المختصة. كما شجعوا المشاركين على رفع أعلام اليمن وهولندا، للتأكيد على أهمية التعاون الإنساني في معالجة هذه الأزمة. ودعوا الأصدقاء الهولنديين إلى الانضمام إلى المسيرات والتحدث عن القضية في وسائل الإعلام والمحافل المختلفة.

خاتمة

تستمر معاناة اللاجئين اليمنيين في هولندا وسط سياسات لجوء صارمة وبيروقراطية معقدة لا تعكس الواقع المأساوي في اليمن. إن دعم المجتمع الدولي والمحلي لهؤلاء اللاجئين يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة وضمان حقوق الإنسان. رسالة اللاجئين واضحة: “الصمت لن يمنحنا حقوقنا”. إن التكاتف والتضامن يمثلان السبيل الوحيد لإحداث تغيير حقيقي في حياتهم وتمكينهم من العيش بكرامة وأمان بعيدًا عن أهوال الحرب.

Share it

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *