تشهد محافظة البيضاء، وبالتحديد منطقة قيفة رداع، وضعاً كارثياً نتيجة التصعيد العسكري المستمر من قبل الميليشيات الحوثية. هذه المنطقة التي لطالما عُرفت بكرامة أهلها وصمودهم أصبحت هدفاً مباشراً للهجمات العسكرية بالطائرات المسيّرة والمدفعية الثقيلة، ما أسفر عن تدمير المنازل وتشريد السكان. الحوثيون لا يستهدفون فقط الأرض والبنية التحتية، بل يحاولون كسر روح القبيلة وإذلال رموزها، لأنها تمثل العقبة الأكبر أمام مشروعهم الطائفي الذي يسعى لتكريس الهيمنة والسيطرة الكاملة. خلف هذا العدوان تكمن حقيقة أعمق، وهي أن القبائل، وخاصة قبائل البيضاء، تُعدّ نواة الثورة الحقيقية وأمل اليمنيين في استعادة الجمهورية.
الميليشيات الحوثية منذ انقلابها على السلطة وسيطرتها على العاصمة صنعاء عام 2014، أدركت أن القبائل هي الحصن الأخير للدفاع عن النظام الجمهوري. لذلك، عملت بشكل ممنهج على تصفية رموز القبائل، وإهانة قادتهم، وتشويه صورة القبيلة أمام المجتمع المحلي والدولي. محافظة البيضاء كانت ولا تزال شاهداً على ذلك، حيث شهدت منذ إسقاط صنعاء ثلاث إلى أربع انتفاضات كبرى من رجال ومشايخ البيضاء. هذه الانتفاضات كانت دائماً مصدر قلق للحوثيين، الذين يدركون أن قبائل البيضاء، إذا توحدت خلف هدف واحد، يمكن أن تشعل ثورة عارمة تسقط مشروعهم. لكن للأسف، الشرعية اليمنية والتحالف العربي ظلوا في موقف المتفرج، ما أعطى الحوثيين الجرأة على تصعيد عدوانهم وإبادة القبائل بلا هوادة.
القبائل في البيضاء، وبالتحديد في قيفة، ليست مجرد تجمعات سكانية، بل هي رمز للكرامة والحرية. أهل هذه المنطقة معروفون عبر التاريخ بمقاومتهم للظلم ورفضهم للإذلال، وقد لعبوا أدواراً بارزة في ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر. لهذا السبب، تسعى الميليشيات الحوثية بكل الوسائل لإخماد أي حراك أو انتفاضة في البيضاء، حيث يعتبرون هذه المنطقة الخطر الأكبر على مشروعهم. الهجمات الوحشية التي تُنفذ بالدبابات والطائرات المسيّرة ليست سوى جزء من محاولاتهم لكسر إرادة القبائل، وإرسال رسالة واضحة لبقية القبائل اليمنية مفادها أن أي محاولة لرفع الرأس ستُقابل بالدمار والإبادة.
الوساطات القبلية التي شهدتها البيضاء لم تكن سوى محاولات لاحتواء النزاع، لكنها غالباً ما انتهت بالفشل بسبب تعنت الحوثيين الذين اعتادوا نقض العهود والاتفاقيات. في الوقت ذاته، يظهر تقاعس الشرعية اليمنية والتحالف العربي في دعم هذه القبائل، مما يعمق الشعور بالخذلان لدى سكان البيضاء. الحوثيون لا يتوقفون عند القتل والتدمير، بل يواصلون إرسال رسائل التهديد لبقية القبائل اليمنية، وخاصة قبائل طوق صنعاء، لإحباط أي محاولة انتفاضة جديدة. هذه الاستراتيجية الحوثية ليست جديدة، لكنها تتكرر بشكل أكثر وحشية مع كل انتفاضة تحدث في مناطق مختلفة من اليمن.
رغم هذا الوضع المأساوي، تبقى قبائل البيضاء مثالاً للصمود والشجاعة. والهجمات الحوثية، مهما بلغت من وحشية، لن تنجح في كسر إرادة هذه القبائل التي تؤمن بالحرية والكرامة. لا تقاتل قبائل البيضاء فقط من أجل نفسها، بل تحمل على عاتقها أمل اليمنيين في استعادة الجمهورية. وقد أثبت التاريخ أن انتفاضات صغيرة من مناطق مثل البيضاء قادرة على إشعال ثورات كبرى تُعيد التوازن للمشهد السياسي في اليمن. من جهة اخر يعد الاعتماد على الدعم الدولي والإقليمي لهذه القبائل ليس خياراً، بل ضرورة ملحّة لضمان بقاء المشروع الوطني اليمني وحماية المدنيين الذين يُقتلون يومياً تحت أنظار العالم.
جرائم الحوثيين في البيضاء هي جرائم حرب موثقة تستوجب تحركاً دولياً عاجلاً. الصمت العالمي أمام هذه الجرائم يُعتبر تواطؤاً مع المعتدي، والدعم الذي تحتاجه قبائل البيضاء لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يشمل أيضاً تقديم المساعدات الإنسانية وتوثيق الجرائم لإحالة مرتكبيها إلى المحاكم الدولية. إذا استمر المجتمع الدولي في تجاهله لما يحدث في البيضاء، فإن الميليشيات الحوثية ستزداد جرأة في ارتكاب المزيد من الجرائم، وسيكون الثمن باهظاً على الشعب اليمني بأسره.
في النهاية، ما يحدث في البيضاء، وبالتحديد في قيفة ورداع، ليس مجرد نزاع مسلح، بل معركة وجودية ستحدد مستقبل اليمن. إذا تُركت قبائل البيضاء تواجه الحوثيين وحدها، فستكون كارثة إنسانية وتاريخية. لكن إذا حصلت على الدعم المناسب، فإن هذه القبائل قادرة على إعادة كتابة التاريخ وإحياء المشروع الوطني اليمني. قبائل البيضاء ليست فقط نواة الثورة، بل هي أمل اليمنيين في الحرية والكرامة، وستظل كذلك رغم كل التحديات.